✨ سُنَنُ اللهِ تَعَالَى فِي أَوْلِيَائِهِ وَأَعْدَائِهِ ✨
بقلم: (أبو عبد الله ابن عبد الله)
بسم الله والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعدُ.
فإن لله تعالى سُننًا يُمضيها في أوليائه وأعدائه.
أما سُنَنُه في أوليائه، فإنه يبتليهم بالعسر، وكلما صبروا له، اشتدت عليهم العسرة، حتى إذا بلغت العسرة أقصى ما يمكن أن تبلغه، بحيث لا يبقى فوقها شدة؛ أتاهم الفرج أسرع ما يكون، من حيث لم يحتسبوا، وعظمت عليهم النعمة؛ حتى تدهشهم.
وشواهد ذلك مبثوثة في كتاب الله تعالى، فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم، أعظم الخلق وأكرمهم على ربه تبارك وتعالى، قد بلغت الشدة به وبأصحابه منتهاها؛ حتى أكلوا أوراق الشجر وجلود الدواب، وحتى قُتِل خِيرةُ أصحابه، وجُحِشَتْ ركبته، وشُجَّ رأسه، وكُسِرت رباعيته، ولما كان يوم الأحزاب حُوصِرَ مِنْ كل مكان، ونقضت اليهود عهدها؛ فاجتمع عليه العرب واليهود؛ فَتَقَنَّعَ بثوبه من شِدَّة الهَمَّ والغَمَّ، واضطجع، ومكث طويلاً، حتى اشتد على الناس البلاء؛ فجاءت البشرى، وقام يقول: "أبشروا يا معشر المسلمين بفتح الله ونصره"؛ فَرَدَّ الله تعالى الأحزاب كلهم، وكان الثأر من اليهود، ولم يزل الإسلام متقدمًا بعدها حتى كان الفتح المبين.
وأما سُنَّتُه تبارك وتعالى في أعدائه، فإنه يستدرجهم، حتى إذا بلغ الطغاة أقصى ما يمكن أُن يبلُغَهُ طُغيانُهُم، بحيث لا يبقى فوقه طغيان، وظنوا أنهم قادرون على أولياء الله تعالى؛ أخذهم الله تعالى من حيث لم يحتسبوا، فذلك فرعون أكبر طاغية عرفه التاريخ، وأبغضهم إلى ربه عز وجل، لمَّا بلغ من الطغيان غايته، ومن الإجرام نهايته، حتى قال: "ما علمت لكم من إله غيري"، وقال: "أنا ربكم الأعلى"، وأدرك موسى عليه السلام ومَنْ معه، وظن أنه قادر عليه؛ "أخذه الله نكال الآخرة والأولى" حينها، وليس قبلُ.
هذه سنة الله تعالى في أعدائه، وفي أوليائِهِ، محمدٍ صلى الله عليه وسلم فَمَنْ دُونَه، لا تتخلف لكرامة أحد ولا لمكانته؛ حتى لو كان نبيًا، بل بها يُكْرِمُ الله تعالى أولياءه، ويصطفيهم، ويرفعهم، وبها يزداد رصيدهم عند الله تعالى. وإنَّ لله تعالى أمورًا يُبْدِيها، ولا يَبْتَديها، وإنه لا يَعْجَلُ بِعَجَلَةِ أحدٍ، ؛ فلا رادَّ لقضائه، ولا مُعَقِّبَ لِحُكْمِه، ولا غالِبَ لأمره.
ولقد فَقِهَ الصحابة رضي الله تعالى عنهم هذه السنة؛ فقالوا-لمَّا رَأَوْا تَكَاثُرَ الأحزاب-: "هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله"
وإن ما نراه اليوم من تَعَاظُمِ الشِّدَّة، وطغيان الأعداء، وخُذلان بني الجِلْدَةِ، وقِلَّةِ النصير، واشتداد ذلك كله يومًا بعد يوم؛ مُبَشِّرٌ بفرج قريب، ونصر أكيد، "والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون"
إرسال تعليق